اصحاب المخابز يعلنون الإضراب في خضم معركتهم لركوب موجة الغلاء

05-03-2008

محمد خالد / قضية ارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة... باتت مصدر أرق دائم للمستهلك في الاراضي الفلسطينية وشغله الشاغل، لا بل تحولت الى موجة عارمة أقل ما يقال عنها انها سبقت اي موجة اخرى في الاندفاع والعلو والاتساع. منهم من نعتها بالوحش الجديد الذي كشر عن انيابه للفتك بهم، ومنهم من وصفها بمطرقة ثقيلة تهوي على رؤوسهم يوميا ولا مناص من الافلات من وقعها وآثارها عليهم. موجة تسابق الجميع لركوبها كلٌ بطريقته وأسلوبه، ولعل الاسلوب الأكثر نجاعة في حالتنا الفلسطينية هذه هي: اللجوء الى الاضراب دون سابق إنذار.

هذا الاسلوب هو ما استقر عليه رأي أصحاب المخابز في محافظة بيت لحم الذين اجمعوا على كلمة واحدة مفادها: "نريد رفع سعر ربطة الخبز إلى خمسة شواقل بدلا من أربعة، أو ان تقوم الحكومة الفلسطينية بدعم السلع الاساسية وعلى رأسها الطحين كما هو الحال في الكثير من دول العالم". وعلى ضوء ذلك، امتنعت المخابز عن العمل في خطوة جاءت على حين غرة وحتى إشعار آخر، وتاه المواطنون في شوارع المحافظة باحثين عن الخبز دون جدوى بينما جلس اصحاب المخابز كلٌ في محله ولسان حاله يقول: لعل وعسى ....

" قبل سنة، كان سعر كيس الطحين 100 شيكل أما اليوم فوصل سعرو ل- 230 شيكل .... بطلت توّفي معنا بالمرة، بطّلنا نقدر نطلّع يوميتنا ولا حتى قوت عيالنا... إحنا بنطالب الحكومة انها تدعم الطحين والا بنرفع سعر ربطة الخبز حتى تصير توفّي معنا ". بهذه الكلمات البسيطة والعفوية علق "ابو محمود" - صاحب مخبز الوردة الوحيدة- على خطوة الاضرب المفتوح لاصحاب المخابز في بيت لحم، وتقاطعت كلماته مع ما قاله "وليد عبد الحليم" - صاحب مخبز ومعجنات جنين: " في البداية كان الطحين ارخص وكنا نحقق بعض الربح المعقول... اما اليوم فالطحين غالي وبالتالي ربحنا تآكل".

خطوة الاضراب المفتوح أيدها بشكل غير مسبوق صاحب المخبز الذهبي، "جريس قراعة" الذي أكد ان لاصحاب المخابز كل الحق باتخاذ هذه الخطوة "لأن خسارتهم تتعاظم يوما بعد يوم في ظل الازدياد المضطرد في سعر الطحين"، وقال:" المفروض ان تقوم السلطة الفلسطينية بدعم الطحين حتى نقوم نحن بتخفيض سعر الخبز". واضاف "السلطة تشترط علينا ان نستخدم الطحين النظيف وليس الطحين الذي توزعه وكالة الغوث، وتقوم بتحديد سعر بيع ربطة الخبز دون ان تأخذ بعين الاعتبار مسألة ارتفاع اسعار المواد الاساسية الاخرى التي تدخل في تصنيع الخبز والمعجنات كالسكر والزيت والخميرة، ودون ان تقدم اي دعم لسلعة الطحين".

واشار "قراعة" ايضا الى ان تحديد سعر ربطة الخبز من قبل وزارة الاقتصاد الوطني بثلاثة شواقل على سبيل المثال، لا تأخذ بالحسبان المصاريف الاخرى المترتبة على تشغيل المخابز كأجور العمال وصيانة الماكينات وايجار المحل اضافة للرسوم الاخرى كضريبة الدخل وضريبة الاملاك ورسوم التأمين وغيرها، الامر الذي تطرق اليه ايضا "زهير الحرباوي" - صاحب مخبز الحرباوي الذي نوه بدوره الى مسألة عدم التزام بعض اصحاب المخابز بوزن ربطة الخبز وغياب الرقابة المطلوبة بهذا الخصوص، قائلا:" عندما يتوجه المواطن الى احد المتاجر لشراء ربطة خبز سيكتشف ان وزنها لا يزيد عن ثلاثة ارباع الكيلو نظرا لغياب الرقابة اللازمة ".

الخسارة التي تحدث عنها اصحاب المخابز في بيت لحم في ضوء استمرار بيع ربطة الخبز بالسعر الحالي دحضها مدير دائرة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد الوطني، "عمر قبها"، حيث قال ان نقطة التعادل التي تم التوصل اليها وفق الدراسات الاقتصادية التي اجريت هي ثلاثة شواقل لربطة الخبز بزنة كيلوغرام واحد، وان ما يزيد عن هذه النقطة فهو يشكل ربحا صافيا لاصحاب المخابز.

واضاف انه تم الاتفاق بعد مشاورات مع محافظ بيت لحم، صلاح التعمري، على تحديد سعر جديد لربطة الخبز بأربعة شواقل ونصف بشرط ان يتم الالتزام من قبل اصحاب المخابز بالوزن وبنوعية الطحين المدعم بالفيتامينات والحديد، مؤكدا ان هذا السعر فيه نسبة ربح تتراوح بين 15-20 بالمئة. ونوه "قبها" الى انه يتوجب على نقابة اصحاب المخابز- في حالة وجود اعتراض منطقي على هذا الموضوع- ان تتقدم بدراسة الى وزارة الاقتصاد الوطني لتتم مناقشتها والخروج بالتالي الى نتيجة مرضية، مؤكدا ان مطلب اصحاب المخابز للوصول الى نسبة ربح 60% هو منافِِِ للقانون وللمبادىء الاخلاقية في التجارة الفلسطينية.

أما حول مطلب دعم المواد الاساسية من قبل السلطة الفلسطينية، فكشف "قبها" ان قضية ارتفاع الاسعار دفعت مجلس الوزراء الفلسطيني الى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة وطنية لدراسة هذه القضية حيث تم في اجتماعها الاول بوزارة الاقتصاد الوطني وضع استراتيجيات وتوصيات تتعلق ابرزها بأولوية تثبيت الاسعار أولا قبل الوصول الى مسألة دعم السلع الاساسية التي تستوجب دراسة وافية في ضوء الموازنة غير الثابتة للحكومة الفلسطينية. واضاف ان توصية بهذا الشأن تم رفعها فيما لا يزال القرار قيد الدراسة في مجلس الوزراء. وشدد على ضرورة وجود مواقع استراتيجية لتخزين السلع الاساسية وخاصة القمح قائلا:" لو كانت هذه المواقع موجودة في الوطن في الوسط والشمال والجنوب لكنا حافظنا على الاسعار لمدة لا تقل عن ستة اشهر واستطعنا مواجهة الارتفاع المفرط في الاسعار".

وبالرغم من هذا الصراع المحموم لركوب موجة غلاء المعيشة، يبقى حديث المستهلك الفلسطيني حول ارتفاع الاسعار بينه وبين نفسه واقرانه وجيرانه سيد الموقف في الوقت الذي لم يعد يجد فيه سوى الهواء كسلعة مجانية.

ليست هناك تعليقات: