تأجيل عرض لوحة بيكاسو في فلسطين حتى إشعار آخر

بيكاسو في فلسطين... حلمٌ مجنون في زمنٍ صعب

06/10/2010

محمد خالد /خاص/ الثاني عشر من الشهر الجاري كان الموعد المنشود الذي سيشهد عرض لوحة أصلية للفنان الاسباني الشهير بابلو بيكاسو يقدر ثمنها بملايين الدولارات في متحف سيُنشأ خصيصاً في الأكاديمية الدولية للفنون في رام الله في اطار مشروع مشترك بين الاكاديمية وبين متحف "فان آب" في مدينة آيدنهوفن الهولندية، الا أن معوقات لوجستية ومالية كثيرة دفعت القائمين على هذا المشروع الى تأجيل العرض حتى إشعار آخر. فالحديث يدور عن مشروع فني يحمل اسم "بيكاسو في فلسطين"، كان وليد فكرة بسيطة من بنات أفكار الفنان التشكيلي الفلسطيني خالد حوراني الذي اعتبر ان الظروف الصعبة التي تعيشها فلسطين حوّلت الفكرة التي لا يتجاوز عمرها عاماً واحداً الى مشروع كبير.

المشروع ببساطة يقوم على استعارة لوحة "وجه امرأة" الاصلية للفنان بيكاسو والتي يقدر ثمنها بنحو 18 مليون دولار، من متحف "فان آب" الهولندي لعرضها لمدة شهر في رام الله الفلسطينية، في رحلة تمتد لاكثر من سبعة الاف كيلومتر ذهاباً واياباً وُتختبر خلالها علاقة الفن بالممارسة السياسية، وتكشف عن الظروف الحياتية والأمنية في فلسطين المحتلة، وأثر الاحتلال الاسرائيلي عليها. رحلة سيقوم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي بتوثيقها بفيلم سينمائي، كما ستوثق كل المراسلات والعلاقات في هذا المشروع ليتم اصدارها فيما بعد في كتاب. فالمشروع لا ينحصر في مسألة عرض لوحة فنية على طلبة الاكاديمية والجمهور الفلسطيني في متحف خاص، انما يشمل الطريق التي ستسلكها اللوحة في رحلة جلبها من هولندا الى منطقة محتلة ومحاصرة وفيها كمٌ هائل من التوتر السياسي كفلسطين، الامر الذي اضطر شركة التأمين التي قررت تأمين وصول اللوحة الى دراسة اتفاقية اوسلو وظروف المنطقة ومستقبلها لتقف بالتالي على درجة المخاطرة التي تحيط بهذه العملية برمتها.


تفعيل دور الفن في قضايا الانسان
لوحة بيكاسو بورترية لامرأة، التي يعود تاريخ العمل فيها للعام 1943 لم يسبق لها زيارة فلسطين، ولم يسبق لها التعرف على شوارعها ومطباتها او اجراءاتها اليومية، ولم يسبق أيضاً أن قدم متحف عالمي موافقته لطلب استعارة لوحة أصلية يقدر ثمنها بالملايين لمؤسسة في فلسطين. فمعنى وصول اللوحة بعد إصرار ومثابرة رغم العراقيل المضنية يكشف للعالم أن هناك أرضاً لا تزال محتلة ومحاصرة، وأن شعبها يعاني تحت الاحتلال شتى أنواع القهر ومحروم من ممارسة أبسط الحقوق التي تضمن للبشر البقاء والاستمرار. فاستضافة اللوحة- بحسب الحوراني- ستسلط الضوء على فلسطين وستضعها في دائرة الحدث، كما انها ستسلط الضوء بطريقة او بأخرى على الفنان العالمي بيكاسو في "هذا الاشتباك بين فنه وبين فلسطين، وبين المعاصرة التي نحياها والحداثة التي اُنتجت في اوروبا وعاشتها مناطق اخرى".

فالفكرة التي تمخض عنها هذا المشروع يمكن اعتبارها نوعاً من تفعيل دور الفن في تسليط الضوء على قضايا الانسان ومن بينها القضية الفلسطينية، وهي أشبه ما تكون بـ "نوع من الحركشة مع الإرث الفني والثقافي العالمي الذي تتفاعل معه جميع بلدان العالم كلٌ بطريقته الخاصة" بحسب وصف الفنان الحوراني الذي يضيف ان "خصوصية الوضع الفلسطيني تجعل مسألة استقبال اللوحة تحتاج الى تحرير فلسطين واقامة دولة" لتحقيق هذا الحلم المجنون الذي يأتي "من باب الاصرار على ان من حقنا كفلسطينيين ان نحيا بشكل طبيعي وان نشارك البشرية منجزاتها الفكرية والفنية".


عراقيل صعبة ولكنها ليست مستحيلة
ويتحدث الفنان التشكيلي خالد الحوراني الذي يعمل مديراً فنياً للأكاديمية الدولية للفنون في رام الله - في لقاء اذاعي اجريناه معه ضمن الحقيبة المحلية التي تبثها PNN على اثير عدد من المحطات الاذاعية المحلية ظهيرة كل يوم- ان افتقار فلسطين الى مقومات الدولة من مطار او ميناء وما الى ذلك يجعل من الصعب التحكم بالظروف المحيطة بعملية احضار اللوحة الى رام الله، فالمعوقات والعراقيل كثيرة ومتعددة، منها ما هو لوجستي ومنها ما هو مالي متعلق بتأمين اللوحة واجراءات نقلها وما يتطلبه انتاج الفيلم التوثيقي لهذه التجربة. الا ان الحوراني يؤكد ان هناك العديد من المؤشرات التي تبشر بأن اللوحة ستصل رام الله في نهاية المطاف، متوقعا ان يتم ذلك خلال الربيع القادم. فالمعوقات - كما يقول- صعبة ولكنها ليست مستحيلة، كما ان التحضيرات الجارية في رام الله لاستقبال اللوحة ومسألة اطّلاع الوفود التي تزور فلسطين على مكان عرضها ومدى تقبل الجمهور الفلسطيني للفن، بالاضافة الى تصميم كافة الاطراف المعنية على اتمام هذه المغامرة بمن فيهم متحف"فان آب" في هولندا وشركة التأمين الهولندية وشركة النقل وغيرهم، جميعها تبشر بخير وتبعث على التأكيد بأن فلسطين ستحتضن اللوحة بعد طول انتظار.

والمشروع "بيكاسو في فلسطين" بفكرته وطريقة تنفيذه يستدعي انخراط المستوى السياسي وصانعي القرار ورسم السياسات فيه، حيث اشار الحوراني الى ترحيب كل المستويات من رئاسة الوزراء الفلسطينية ووزارة الثقافة الى جانب مؤسسات اهلية اخرى بهذا المشروع الذي "لاقى كثيرا من التعاطف المعنوي من قبل بعض الجهات الفلسطينية دون ان يُترجم هذا التعاطف الى وقائع ملموسة متمثلة بدعم مادي، وهذا هو السبب الجوهري في التعطيل وتأجيل عرض اللوحة" كما يقول الحوراني الذي يؤكد ان القائمين على المشروع سعوا الى اشراك جميع الاطراف سواء المستوى السياسي الفلسطيني او مؤسسات ثقافية في مصر والاردن وفلسطين بطريقة تجعل من الممكن احضار اللوحة وتحقيق هذا " الحلم المجنون في زمن صعب".

أما عن مكان عرض اللوحة، فهو متحف صغير تم انشاؤه وتجهيزه خصيصا في الاكاديمية الدولية للفنون في رام الله ليكون ملائماً لاستقبال اللوحة من ناحية تحقيق الامان للوحة وحمايتها من السرقة او الاعتداء، وايضا من حيث درجة الحرارة والرطوبة والعزل والإضاءة وما تتطلبه الظروف المتحفية حسب المعايير الدولية. ويقول الحوراني انه تم التعاون مع مهندس فلسطيني لانجاز هذا المتحف الصغير الذي يعد الاول من نوعه في فلسطين من ناحية جاهزيته تقنياً لاستقبال اعمال فنية حساسة وثمينة في نفس الوقت. فاللوحة من ناحية امنية وفي ظل حالة الامن المقبولة في فلسطين ستكون "في الحفظ والصون اكثر من وجودها في دول اخرى مستقرة" كما يقول الحوراني الذي يؤكد انه في حال اقدمت اسرائيل على حماقة اقتحام مكان عرض اللوحة والاعتداء عليها بأي شكل كان، فإنها بذلك ستضيف علامة فارقة (فضيحة) الى سجلها الاسود.

وبين اصرار القائمين على مشروع " بيكاسو في فلسطين" على مواصلة الجهود وتحدي الظروف ومتابعة العمل والتحضيرات وتذليل العقبات حتى وصول اللوحة الى رام الله وعرضها للجمهور الفلسطيني، تبقى فلسطين تسابق الزمن ليخرج هذا الحلم الى النور وينطلق في الساحة الثقافية العالمية متخذا من فلسطين مقراً له.

للاستماع للمقابلة الاذاعية
https://app.box.com/shared/zcn8j7hzb8

تم نشر التقرير ايضاً على 
ميدل ايست اونلاين

ليست هناك تعليقات: