المدخنون يشتكون... ويتساءلون: من المسؤول عن اختفاء السجائر من المحلات ؟!

04-05-2009

محمد خالد / سادت في الاسواق الفلسطينية في الايام الاخيرة ظاهرة اختفاء اصناف السجائر الاجنبية من المحلات التجارية والتي قام عدد كبير من اصحابها برفع السعر للمستهلك بواقع 18% فيما امتنع الكثير منهم من بيعها مبررين ذلك بعدم توافرها اصلا لديهم بسبب عدم تزويد الشركات المستوردة لهذه الاصناف اليهم، الامر الذي سبب ارباكا في اوساط المدخنين الذين راحوا يبحثون عبثا عن اصنافهم التي اعتادوا تدخينها.

وما ان تطأ قدماك عتبة بقالة او سوبرماركت حتى يستقبلك صاحبه بكلمة "مفيش دخان"... وكأنه يعرف سلفا انك قادم للسؤال عن ذاك الصنف الذي اعتدت شراءه وتدخينه .... كيف لا يعرف ذلك وقد رأى خلال الايام السابقة عددا كبيرا من الزبائن الذين لم تعتد عيناه على رؤيتهم سابقا في محله وهم في رحلة بحثهم عن مبتغاهم من السجائر. قد ترى الكذب جليا على ملامح البعض من اصحاب البقالات وهو ينحى بنظره عنك في الوقت الذي يجيبك عن سؤالك بأغلظ الايمان قائلا :" والله ما عندي ولا سيجارة .... ما في دخان في كل المحلات ... التجار الكبار ما زودونا اليوم بالدخان وما بردوا على اتصالاتنا...مسكرين جوالاتهم ... كل الحق على تجار الجملة ... لو عندي دخان كان بعتلك بس والله ما في"... الخ من تلك التبريرات التي الفت آذان المدخنين سماعها.

بالأمس عشت التجربة شخصيا خلال رحلة بحث عن صنفي المفضل الذي ادخنه منذ سنوات... من بلدة الخضر بشقيها القديم والجديد الى مخيم الدهيشة مرورا الى مدينة بيت لحم وانتهاء ببلدة بيت جالا.. عشرات البقالات دخلتها سائلا، وعشرات الوجوه شاهدتها ومئات الكلمات سمعتها....ولكن مع اختلاف جغرافية المكان ومعالم الوجوه الا ان الالسن اجمعت على قول واحد :" دخان...والله ما في "... واخيرا وجدت مبتغاي، ولكن ليس بذات السعر الذي دأبت على دفعه بل بزيادة قدرها شيكلين اثنين لكل علبة سجائر. وعندما تجرأت وسألت صاحبة البقالة عن سبب هذه الزيادة ردت قائلة :" إحمد ربك انك لقيت دخان عندي...ما في دخان في كل المحلات ....".

زميل لي في العمل عاش ايضا ذات التجربة ولكنه كان اوفر حظا مني ... فقد تمكن من شراء ثلاث علب سجائر من الصنف الذي يدخنه وبالسعر القديم (11 شيكل) ...لكن هذا لم يتأتى الا بعد ان أسمع صاحب المحل الذي تربطه به صداقة عبارات تهكمية لاذعة في ثوب فكاهي، مفادها :" انني متأكد من وجود سجائر لديك وانت تخفيها بانتظار زيادة في السعر خلال الايام القادمة وبالتالي لا تستطيع ان تمرر تبريراتك علي بعدم وجود سجائر لديك ...مش علي هالحكي".

المستهلك " وهو المدخن في هذه الحالة " يلقي باللائمة على صاحب البقالة الذي بدوره يبعدها عنه بقوة ويلقيها على تاجر الجملة او على الشركة المستوردة .... توجهت بالسؤال الى احد المسؤولين في كبرى الشركات المستوردة للسجائر ويشغل منصب "المدير الاداري" فقال لي :" المشكلة ليست لدينا نحن بل لدى الجمارك في وزارة المالية الفلسطينية التي نحن بانتظار ان توعز لنا بقيمة الجمارك المفروض ان تجبيها عن اصناف السجائر وبالتالي نستطيع نحن ان نحدد القيمة النهائية لاسعار السجائر...فالتأخير في حسم هذه المسألة سببه الجمارك". واضاف ان هناك مداولات تجري بين الجمارك الفلسطينية وبين نظيرتها الاسرائيلية لبلورة الاسعار النهائية لافتا الى ان ممثلين من الجمارك الفلسطينية قاموا بزيارة الى مخازن الشركة "ولم يجدوا سيجارة واحدة" نافيا الاتهامات الموجهة لشركته بأنها هي من يحتكر هذه الاصناف لحين رفع الاسعار قبل ان تطرحها في الاسواق للمستهلك.

بدورها، القت دائرة الجمارك في وزارة المالية الفلسطينية باللائمة على الشركات المنتجة والمستوردة للسجائر. وقال فؤاد الشوبكي، مدير عام الجمارك -في حديث لPNN- "بلغنا منذ يوم الخميس الماضي كافة الشركات المنتجة والمستوردة للسجائر بأن يزودونا بقائمة الاسعار النهائية التي تنوي تحديدها لاصناف السجائر حتى نتمكن نحن في دائرة الجمارك من تحديد قيمة الجمارك المفروض ان تستوفى عن هذه الاصناف... فنحن لا شأن لنا بتحديد الاسعار وانما بتحديد قيمة الجمارك لجبايتها". واضاف ان المسؤول عن التأخير هم الشركات المستوردة والمنتجة للسجائر والتي لم تقم حتى اليوم بتزويد دائرة الجمارك بقائمة الاسعار عن تلك الاصناف.

وختم الشوبكي بالقول ان الامور في هذا الشأن تتجه خلال الايام القادمة الى زيادة في اسعار السجائر بنسبة لا تزيد عن 10% لافتا الى ان ما تشهده السوق الفلسطينية في هذه الايام يعكس جشع التجار الذي دفعهم الى رفع الاسعار "على مسؤوليتهم الخاصة" بنسبة 18% بالرغم من انه لم يجري رفع الاسعار بشكل رسمي الى اليوم.

ولعل ما شهده "قطاع السجائر الاجنبية" في الاسواق الفلسطينية خلال الايام الماضية ينسحب على باقي القطاعات الاخرى سواء كانت كمالية او اساسية ... فلا فرق بين الارز والطحين او بين السجائر والنثريات... فما ان يشتم التجار او المستوردون اي رائحة ارتفاع اسعار تنبعث من اي صنف حتى يسارعوا لإخفائه من الاسواق تاركين المستهلك يهيم وجها ويشق طريقه بحثا عن هذا الصنف.. وإن وجده هنا او هناك فهو مضطر عندئذ للنزول عند رغبة مالك هذه الصنف وكلماته تصم الاذان " عاجبك عاجبك ... مش عاجبك ما تشتري ........".

ليست هناك تعليقات: