صحيفة الأيام حرمت من رؤية شمس القطاع

11-02-2008

محمد خالد / رسم كاريكاتيري للرسام الفلسطيني بهاء الدين البخاري نشرته صحيفة الايام المحلية الصادرة في رام الله على صدر صفحتها الأخيرة كان كفيلا بإدخال كلٍ من الرسام ورئيس تحرير الصحيفة، أكرم هنية، الى دهاليز القضاء في الحكومة المقالة ليقول كلمته الاخيرة: " لا لتوزيع صحيفة الأيام في قطاع غزة". لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه الى إصدار أحكام بالسجن على الإثنين وتغريمهما بتهم القذف والتحقير ومخالفة المادة 37 لقانون المطبوعات والنشر، ومطالبة الصحيفة بنشر اعتذار رسمي عن هذه "الإساءة" على نفس الصفحة وفي ذات الموقع الذي نشر به الرسم الكاريكاتيري.

الكاريكاتير في مضمونه تناول موضوع الإنابة القانونية لأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وتضمن عبارة "اللاشرعية "، وظهر به نواب ملتحون من حركة حماس حاملين صورا لزملائهم المغيبين في سجون الاحتلال خلال جلسة عقدها المجلس بتاريخ السابع من تشرين الثاني الماضي. هذا المشهد اعتبره اعضاء حماس في المجلس التشريعي اساءة مقصودة لهم وللاسلام ونوعا من التحقير، ما دفعهم الى تقديم شكوى رسمية الى النيابة العامة التي بدورها حركت الدعوى نحو القضاء بتهم رسمية ابرزها القذف.

تجاذبات حول وصف الاساءة
" من حق رسام الكاريكاتير ان ينتقد وان يقول: هذا لا يجوز أو هذا معارض من وجهة النظر القانونية او الدستورية، اما عندما يرسم مجموعة من الناس بلحى وهم جالسون ويكتب على الرسم كلمة "اللا شرعية"، فهذا بحد ذاته قذف كبير جداً واساءة كبيرة للإسلام وللإخوة في المجلس التشريعي الذين يقال عنهم " لون واحد "، وفيه ايضا نوع من التحقير"، هذا ما يقوله المستشار اسماعيل جبر، النائب العام في الحكومة المقالة الذي يرى ان "الحرية الصحفية لا تحتقر الدين ولا تحتقر المظهر الديني" ولا وجود للحرية اذا كان فيها مساس بالدين.

عبد الناصر النجار
 في المقابل، أكد عبد الناصر النجار، مدير تحرير صحيفة الايام أن الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته الصحيفة يخلو بشكل مطلق من اي اساءة قد تكون موجهة لأحد وانه "يقع ضمن الحرية الصحفية وضمن حرية رسام الكاريكاتير الذي هو فنان بالاصل بأن يأخذ مساحة في التعبير عن رأيه وعكس الصورة التي يقتنع بها " منوها الى انه " لا يمكن وضع حدود للفن الا اذا كان فيه اساءة للوحدة الوطنية او تجاوزا لما هو مقبول في المجتمع... وهذا لم يحصل بالمطلق". ويضيف النجار " كان هناك جلسة للمجلس التشريعي في غزة دعت اليها كتلة حماس واتخذت خلالها قرارات، وكانت هذه الجلسة مقتصرة فقط على اعضاء كتلة حماس، وبالتالي حاول رسام الكريكاتير ان يعبر بأن هذه ليست جلسة للمجلس التشريعي وانما جلسة لكتلة حماس، فرسم الوجوه متشابهة، وهم (اي نواب حماس) اعتبرو هذا الرسم المضخم لبعض اجزاء الجسم اساءة للنواب، الامر الذي نفاه رسام الكريكاتير نفسه ورئيس التحرير في الصحيفة ايضا".

بهاء الدين البخاري
اما رسام الكاريكاتير بهاء الدين البخاري فاستهجن الصاق صفة الاساءة برسمه قائلا:" أنني اخجل أن أري لزملائي رسامو الكاريكاتير في العالم هذا الرسم الذي كان سبباً في الحكم علي وفي منع توزيع صحيفتي في قطاع غزة لأنني اعتبر السبب تافهاً جدا، ولا يستحق الرسم كل هذه الأصداء ". واضاف ان الرسم الذي خطته يداه لا يعدو كونه محاولة توصيف للحدث فقط وليس فيه أي شيء من التطاول أو التجريح والدليل على ذلك هو التدقيق في الكيفية التي تتناولها وسائل الاعلام للقادة والسياسيين في العالم من خلال الرسومات او التعليقات في الصحف.

وفي تعقيبه حول ما اُعتبر "اساءة واحتقارا للحى" في رسمه الكاريكاتوري، قال البخاري:" لعله يغيب عن ذهن الآخرين أن اسمي بهاء الدين البخاري وهم يعرفون ماذا تعني كلمة البخاري ... فأنا مسلم وافراد عائلتي يتميزون بإطلاق لحاهم، فكيف لي أن انتقد او اهزأ من اسرتي او من اجدادي في يوم من الايام ....؟!".

من هو المخول باطلاق صفة اللا شرعية ؟
مسألة الاحكام بإطلاق صفة اللا شرعية كانت ايضا مثار تساؤل النائب العام في الحكومة المقالة، اسماعيل جبر حيث وجه انتقاده لرسام الكاريكاتير قائلاً:" أنت نصبت نفسك كمحكمة دستورية وحكمت على الناس باللا شرعية في رسمك الذي نشرته صحيفة رسمية محترمة توزع في قطاع غزة ... وهذا الأمر ايضا فيه إساءة ". ورد رسام الكاريكاتير البخاري على ذلك بقوله:" ما زلت متمسكا برأيي أن ما جرى في قطاع غزة هو انقلاب على الشرعية الفلسطينية ولا يمثل الشعب الفلسطيني، وأن مسألة عقد جلسة للمجلس التشريعي حضرها عدد محدود من الاطراف هي بحد ذاتها صورة كاريكاتورية هزلية وانا تناولتها بهذه الموضوعية، لا اكثر ولا اقل". واضاف البخاري "انا لن احترم نفسي اذا لم اكن صادقا مع نفسي ومنسجما مع اطروحاتي وبما اؤمن به... فانا لم اتصدى للاشخاص كافراد بالذات اكثر مما انا اقصد بالتصدي للفكرة او الموقف وراء هؤلاء الاشخاص " منوهاً الى ان الاعلام في العالم بشكل عام له موقف من الأحداث التي تجري، وهو ايضا له موقفه الخاص كونه جزء من هذا الوطن ويرى ما يجري فيه وما يمس شعبه".


 انتقادات ورفض في الوسطين الصحفي والحقوقي
القرار بمنع توزيع ونشر وطباعة صحيفة الأيام في قطاع غزة والذي صدر بتاريخ السادس من شباط الجاري أثار ردود فعل رافضة في الاوساط الصحفية والحقوقية. فقد وصف عبد الناصر النجار، مدير تحرير الصحيفة، القرار بأنه متخبط ومتعجل جدا وياتي في سياق خنق الحريات الصحفية وحرية التعبير، ويؤكد ايضا محاولة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة كونه يسري في قطاع غزة فقط وكان ما أريد به القول ان غزة جمهورية مستقلة وانتم في الضفة الغربية جمهورية مستقلة اخرى. وطالب النجار حركة حماس بالتراجع عن هذا القرار الذي رأى فيه مؤشرا خطيرا سيؤدي الى ضرب قطاع الاعلام الفلسطيني بشكل قوي في حال عدم التراجع عنه خاصة وان صحيفة الايام هي اكثر الصحف تأثيرا بحسب استطلاعات الرأي الفلسطينية وأنها ما زالت تحاول الالتزام بالموضوعية في تغطيتها للأحداث.

وشدد النجار على ان صحيفته لم تشكك في شرعية نواب حماس او في شرعية المجلس التشريعي ولم تكن يوماً منبرا حزبيا، ولم تختص بفئة معينة، وهذا ما تؤكده الوقائع على صفحاتها مستشهدا على ذلك بقيام الصحيفة بنشر البيان الذي بعثته حركة حماس اليها حول رسم الكاريكاتير ذاته حيث نشرته الصحيفة بنصه الحرفي على الصفحة الثانية وبالألوان ايضا.

كما استنكرت نقابة الصحفيين منع توزيع صحيفة الأيام في قطاع غزة واعتبرت -في بيان لها- هذا الأجراء بأنه اعتداء على حرية الصحافة الفلسطينية وعلى حق الجمهور في الحصول على المعلومات. وقال نقيب الصحفيين نعيم الطوباسي إن حركة حماس في قطاع غزة تهدف من هذه الإجراءات إلى فرض حالة من التعتيم الكامل على ما يجري في القطاع، ومنع المواطنين من معرفة ما يجري، كما تهدف إلى منع الوصول إلى الحقيقة بعدما انكشفت الحقائق أمام الجماهير الفلسطينية.

بدورها، اعتبرت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان القرار بأنه تقييد لحرية العمل الصحفي ويمثل انتهاكاً لمعايير حقوق الإنسان، كما يشكل مساساً بالقانون الأساسي الفلسطيني المعدل، والقانون رقم (9) لسنة 1995 بشأن المطبوعات والنشر.

وطالبت الضمير حكومة حماس المقالة بغزة بوقف هذا الحظر والسماح فوراً بتوزيع جريدة الأيام وذلك لأهمية الدور الذي تلعبه الصحافة والصحفيين في خدمة القضايا الوطنية والإنسانية، وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، حيث يرتبط العمل الصحفي وخاصة المكتوب منه ارتباطاً وثيقاً بمبادئ حقوق الإنسان كالحق في حرية الرأي والتعبير.

هل ستعود الايام لمعانقة شمس القطاع ...!
النائب العام في الحكومة المقالة، اسماعيل جبر، أكد ان مسألة الحظر الذي فرض على صحيفة الأيام في قطاع غزة هي مسألة وقت وليست دائمة بقوله:" إن كان هناك استدراك من قبل الصحيفة بأن تقدم طلباً معينا وتعتذر عما قامت به من إساءة للمجلس التشريعي ولنوابه بأشخاصهم وصفاتهم، عندها سنكون مستعدين للتعامل مع هذه المشكلة".

وبين الرفض لقرار الحظر والمطالبات بالتراجع عنه، وبين الاشتراط بتقديم اعتذار رسمي من قبل القائمين على الصحيفة، تبقى "الأيام" عصية على الوصول الى ايدي أبناء غزة وبعيدة عن ملامسة اولى اشعاعات شمس القطاع.

ليست هناك تعليقات: