قراءة اعلامية قانونية لقرار النائب العام بوقف بث برنامج "وطن ع وتر"

18-08-2011

محمد خالد/ النائب العام أحمد المغني، تجاوز صلاحياته المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني وفي قانون الاجراءات الجزائية وفي قانون المطبوعات والنشر، ويعد قراره القاضي بوقف برنامج "وطن ع وتر" عقوبة جماعية للجمهور اذ أن الضبط والتوقيف يكون للمجرم وليس للعمل الفني، وكان حريّا به ان يمرر الشكاوي التي وصلت اليه الى المحكمة المختصة للبت فيها وليس اتخاذ قرار مبني على وجهة نظر طرف دون آخر، الامر الذي يعد سابقة خطيرة تفرض على مؤسسات المجتمع المدني والمعنيين بالحريات الاعلامية عدم الوقوف مكتوفي الايدي ازاءها خوفا من خسارة المزيد من هوامش الحرية في فلسطين.

هذا ما خلص اليه المختص في شؤون الحريات والقوانين الاعلامية، محمد ابو عرقوب، مدير مركز السياسات والبحوث الاعلامية في مؤسسة بن ميديا، في قراءة اعلامية قانونية لقرار النائب العام، قدمها اذاعيا خلال الحقيبة الاخبارية التي تبثها PNN على أثير الاذاعات الشريكة.

ويرى ابو عرقوب ان برنامج "وطن ع وتر" منتَج اعلامي من حق الجمهور الاطلاع عليه بينما حظره بقرار النائب العام يعد عقابا جماعيا لجمهور تلفزيون فلسطين، في مخالفة واضحة للقانون الاساسي الذي يؤكد ان العقوبة شخصية ويمنع العقوبات الجماعية. كما يرى ان استناد النائب العام على المواد 188 و189 و190 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 والتي تتحدث عن القدح والذم والتحقير، لا يعطيه صلاحية اتخاذ قرار، بل ان القوانين المعمول بها تعطيه صلاحية لأن يكون طرفاً في القضية بأن يدعي بالحق العام وبالحق المدني، اذ ان مهمة النائب العام هي تحريك الدعوى في المحكمة المختصة بحسب قانون الاجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 والذي تقول المادة 3 فيه ان "على النيابة العامة تحريك الدعوى الجزائية اذا قام المتضرر نفسه مدعياً بالحق المدني بالشكوى وفقاً للقواعد المعينة في القانون". ويضيف ان المادة 393 من ذات القانون تؤكد انه " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة الا بمقتضى حكم صادر عن محكمة مختصة" بينما النائب العام أوقع عقوبة بأيقاف بث البرنامج دون حكم محكمة مختصة، الامر الذي يعد مخالفة لهذا القانون وايضا مخالفة لقانون المطبوعات والنشر الذي تقول المادة 42 منه صراحة ان "المحكمة المختصة هي التي تختص بالنظر في جميع المخالفات التي ترتكب خلافا لهذا القانون ويتولى النائب العام التحقيق فيها (وفقا للصلاحيات والاجراءات المنصوص عليها في القانون الجزائي). 


ويقول ابو عرقوب انه كان يتوجب على النيابة العامة بعد ورود شكاوي اليها من كل من رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد، وجواد عواد نقيب الأطباء، واللواء حازم عطا الله مدير عام الشرطة، اجراء الكشف والمعاينة والحصول على الايضاحات اللازمة لتسهيل التحقيق والاستعانة بالخبراء والشهود، ثم اثبات الاجراءات التي يقومون بها في محاضر رسمية بعد توقيعها منهم ومن المعنيين، الامر الذي يفرض على النيابة العامة الاتصال بفريق البرنامج وبالتلفزيون، لكن هذا لم يحصل. ويوضح قائلا "لقد وُجهت شكاوي من طرف الى النائب العام بأن هذا البرنامج يتضمن قذفا وذما وتحقيرا، والطرف الآخر (الذي لم يُسمع له) يقول بأن هذا ليس تشهيرا ونحن نتحدى...اذاً مَن يفصل في ذلك ؟ ولماذا يتخذ النائب العام قرارا بناءً على وجهة نظر طرف ؟ " مؤكدا ان المحكمة المختصة هي التي يجب ان تثبت بعد البحث في القضية عما اذا كان هناك قذف وذم وتحقير وبالتالي تحيل المسؤولين عن ذلك الى العقوبات المنصوص عليها في القانون.

وكان النائب العام قد طلب تزويده بنسخة عن حلقة الخميس 4-8 والسبت 6-8 والثلاثاء 16-8 الامر الذي رأى فيه ابو عرقوب ممارسة للرقابة المحظورة في القانون الاساسي وفي قانون المطبوعات والنشر حيث ان البند 4 من المادة 27 في القانون الاساسي يقول " تُحظر الرقابة نهائيا على وسائل الاعلام ولا يجوز انذارها او وقفها او مصادرتها او الغاؤها او فرض قيود عليها الا وفقاً للقانون، وبموجب حكم قضائي"، ناهيك عن المادة 19 في ذات القانون والتي تقول " لا مساس بحرية الرأي، ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول والكتابة". وتساءل ابو عرقوب "لماذا يحاكم النائب العام الحلقات من 17 الى 30 بناء على الحلقات 4 و6 و16 التي طلب نسخاً منها ؟". ويضيف :" لم يحصل في اعتى الديكتاتوريات في دول عربية او غيرها ان قام النائب العام او المسؤول في النيابة العامة بمنع كاتب مقال من مواصلة الكتابة في جريدة ما ... وما يحصل هو ان يتم رفع قضية على هذا الشخص في المحكمة بينما هو يقوم بمواصلة عمله بالكتابة والنشر الى ان تجرمه المحكمة في حال ارتكب فعل التشهير والذم والقدح، وتجرمه على المادة التي نشرها فقط وليس على غيرها من المواد".

واعتبر ابو عرقوب ان قرار النائب العام يشكل سابقة خطيرة يتوجب على مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها نقابة الصحافيين ونقابة الفنانين وكل من له علاقة بالحريات الاعلامية عدم الوقوف ازاءها بأيدي مكتوفة بل مواجهتها باللجوء الى القضاء وتحويل هذه القضية الى قضية رأي عام حتى لا نخسر مزيدا من هوامش الحرية في فلسطين، وحتى لا يُستند الى قرار النائب العام هذا في قرارات مستقبلية تمس وسائل الاعلام المختلفة والمشتغلين في القطاع الاعلامي بشكل عام.

للاستماع للمقابلة الاذاعية
https://app.box.com/s/xy67i9lyc9gpxn5vjkol

ليست هناك تعليقات: